السعادة بثلاث شكر النعمة والصبر على البلاء
والتوبة من الذنب
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الله
سبحانه وتعالى المسؤول
المرجو الإجابة أن يتولاكم في الدنيا والآخرة
وأن يسبغ عليكم نعمه
ظاهرة وباطنة وأن يجعلكم ممن إذا أنعم عليه
شكر وإذا ابتلي صبر
وإذا أذنب استغفر فإن هذه الأمور الثلاثة
عنوان سعادة العبد وعلامة
فلاحه في دنياه وأخراه ولا ينفك عبد عنها
أبدا فإن العبد دائم التقلب
بين هذه الأطباق الثلاث
الأول نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها
الشكر
وهو مبني على ثلاثة أركان
الاعتراف بها باطنا والتحدث بها ظاهرا وتصريفها في
مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره
في شكرها
الثاني محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها
الصبر
والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور
وحبس اللسان عن الشكوى
وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق
الثياب ونتف الشعر ونحوه
فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة فإذا قام به
العبد كما ينبغي انقلبت
المحنة في حقه منحة واستحالت البلية عطية
وصار المكروه محبوبا فإن الله
سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن
صبره وعبوديته فإن لله
تعالى على العبد عبودية الضراء وله عبودية عليه
فيما يكره كما له عبودية
فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون
والشأن في إعطاء العبودية
في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه
كانت منازلهم عند الله تعالى
فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية
ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها
عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه
عبودية هذا والوضوء بالماء البارد في
شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي
اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف
من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية
ولكن فرق عظيم بين العبودتين
فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في
المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى
أليس الله بكاف عبده وفي القراءة الأخرى
عبادة وهما
سواء لأن المفر مضاف فينعم عموم الجمع فالكفاية
التامة مع العبودية التامة
والناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد
غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه
عليهم سلطان قال تعالى
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان
ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى
لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم قال
فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين
وقال تعالى
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا
فريقا من المؤمنين
وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من
يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك فلم يجعل لعدوه سلطانا على عباده المؤمنين
فإنهم في حرزه وكلاءته وحفظه
وتحت كنفه وإن اغتال عدوه أحدهم كما يغتال
اللص الرجل الغافل فهذا لا بد منه
لأن العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب
ودخوله على العبد من هذه الأبواب
الثلاثة ولو احتزر العبد ما احتزر فلا بد له
من غفلة ولا بد له من شهوة ولا بد له من غضب
وقد كان آدم أبو البشر صل الله عليه و سلم
من أحلم الخلق وأرجحهم عقلا
وأثبتهم ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى
أوقعه فيه فما الظن بفراشة الحلم
ومن عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر ؟
ولكن عدو الله لا يخلص إلى
المؤمن إلا غيلة على غرة وغفلة فيوقعه ويظن
أنه لا يستقبل ربه عز و جل
بعدها وأن تلك الوقعة قد اجتاحته وأهلكته
وفضل الله تعالى ورحمته وعفوه
ومغفرته وراء ذلك كله
فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من أبواب
التوبة
والندم والانكسار والذل والافتقار
والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع
والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من
الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته
حتى يقول عدو الله يا ليتني تركته ولم أوقعه
وهذا معنى قول بعض السلف
إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة
يدخل بها النار قالوا كيف ؟ قال
يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجل
ا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس
الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك
الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب
عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد
وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة
ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه
ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها
ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه
من العجب والكبر والفخر والاستطالة
ما يكون سبب هلاكه فإذا أراد الله تعالى
بهذا المسكين خيرا ابتلاه بأمر يكسره
به ويذل به عنقه ويصغر به نفسه
عنده وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره
وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه
فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق
أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك
والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك فمن
أراد الله به خيرا فتح له باب الذل
والانكسار ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار
إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها
وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه
ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده فالعارف
سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين
لا يمكنه أن يسير إلا بهما فمتى فاته
واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه
قال شيخ الإسلام العارف يسير إلى
الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب
النفس والعمل وهذا معنى قوله صل الله عليه و سلم
في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه سيد الاستغفار
أن يقول العبد
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت
أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك
علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت
فجمع في قوله صل الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي
وأبوء بذنبي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد
والشكر لولي النعم والإحسان
ومطالعة عيب النفس والعمل توجب
له الذل والانكسار والافتقار والتوبة
في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا
وأقرب باب دخل منه العبد على
الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه
حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به
ولا وسيلة منه يمن بها بل يدخل على الله تعالى
من باب الافتقار الصرف
والافلاس المحض دخول من كسر الفقر
والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك
الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة
من كل جهاته وشهد ضرورته
إلى ربه عز و جل وكمال فاقته وفقره إليه
وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة
والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى
ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة
عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود الله تعالى
عليه ويتداركه برحمته
ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية ولا حجاب
أغلظ من الدعوى والعبودية مدارها
على قاعدتين هما أصلها حب كامل وذل تام
ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك
الأصلي المتقدمين وهما مشاهدة المنة
التي تورث المحبة ومطالعة عيب
النفس والعمل التي تورث الذل التام وإذا
كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى
على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على
غره وغيلة وما أسرع ما ينعشه
الله عز و جل ويجبره ويتداركه برحمته
.. انتهى كلامه رحمه الله
نسأل الله أن يرحمنا وينفعنا بما علمنا
وصل الله على نبينا وسلم تسليما
كثيرا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire